سورة الفرقان - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{قالوا} يعني المعبودين {سبحانك} نزهوا الله سبحانه وتعالى من أن يكون معه آلهة {ما ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء} يعني ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك، بل أنت ولينا من دونهم وقيل معناه، ما كان لنا أن نأمرهم بعبادتنا ونحن نعبد ك ونحن عبيدك {ولكن متعتهم وآباءهم} أي بطول العمر والصحة والنعمة في الدنيا {حتى نسوا الذكر} معناه تركوا المواعظ والإيمان بالقرآن وقيل تركوا ذكرك وغفلوا عنه {وكانوا قوماً بوراً} معناه هلكى أي غلب عليهم الشقاء والخذلان {فقد كذبوكم} هذا خطاب مع المشركين أي كذبكم المعبودون {بما تقولون} يعني أنهم آلهة {فما يستطيعون} أي الآلهة {صرفاً} أي صرف العذاب عن أنفسهم {ولا نصراً} يعني ولا نصر أنفسهم وقيل لا ينصرونكم أيها العابدون بدفع العذاب عنكم {ومن يظلم منكم} يعني يشرك {نذقه عذاباً كبيراً}.
قوله عز وجل: {وما أرسلنا قبلك} أي يا محمد {من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق} قال ابن عباس: لما عير المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا {ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق} أنزل الله تعالى على هذه الآية والمعنى أن هذه عادة مستمرة من الله تعالى على رسله فلا وجه لهذا الطعن {وما أنا إلا رسول} {وما كنت بدعاً من الرسل} وهم كانوا بشراً مثلي، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة} أي بلية قال ابن عباس أي جعلنا بعضكم بلاء بعض، لتصبروا على ما تسمعون منهم وترون من خلافهم وتتبعوا أنتم الهدى، قيل: نزلت في ابتلاء الشريف بالوضيع وذلك أن الشريف إذا أراد أن يسلم رأى الوضيع، قد أسلم قبله فأنف وقال: أسلم بعده فيكون له السابقة والفضل علي فيقيم على كفره ويمتنع من الإسلام فذلك افتتان بعضهم ببعض وقيل: نزلت في أبي جهل والوليد بن عقبة والعاص بن وائل السهمي والنضر بن الحارث وذلك أنهم رأوا أبا ذر وابن مسعود وعمار بن ياسر وبلالاً، وصهيباً وعامر بن فهيرة وذويهم، قد أسلموا قبلهم فقالوا: نسلم فنكون مثل هؤلاء وقيل: نزلت في ابتلاء فقراء المسلمين بالمستهزئين من قريش كانوا يقولون: انظروا إلى هؤلاء الذين تبعوا محمداً صلى الله عليه وسلم من موالينا وأراذلنا فقال الله تعالى لهؤلاء المؤمنين {أتصبرون} أي على هذه الحالة من الفقر والشدة والأذى وقيل إن الغني فتنة الفقير يقول ما لي لم أكل مثله والصحيح فتنة المريض والشريف فتنة الوضيع {وكان ربك بصيراً} أي بمن صبر وبمن جزع.
(ق) عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه بالمال والجسم فلينظر إلى من هو دونه في المال والجسم» لفظ البخاري ولمسلم «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم».
قوله تعالى: {وقال الذين لا يرجون لقاءنا} أي يخافون البعث والرجاء، بمعنى الخوف لغة تهامة {لولا أنزل علينا الملائكة} فتخبرنا أن محمداً صادق {أو نرى ربنا} فيخبرنا بذلك {لقد استكبروا} أي تعظموا {في أنفسهم} بهذه المقالة {وعتوا عتواً كبيراً} أي طغوا وقيل عتواً في القول وهو أشد الكفر والفحش وعتوهم، طلبهم رؤية الله حتى يؤمنوا به. قوله تعالى: {يوم يرون الملائكة} أي عند الموت وقيل يوم القيامة {لا بشرى يومئذٍ للمجرمين} وذلك أن الملائكة يبشرون المؤمنين، يوم القيامة ويقولون للكفار: لا بشرى لكم وقيل: لا بشارة لهم بالجنة كما بشر المؤمن {ويقولون حجراً محجوراً} قال ابن عباس تقول الملائكة حراماً محرماً أن يدخل الجنة، إلا من قال لا إله الله محمد رسول الله، وقيل: إذا خرج الكفار من قبورهم تقول لهم الملائكة حراماً محرماً عليكم أن تكون لكم البشرى وقيل هذا قول: الكفار للملائكة وذلك أن العرب كانت إذا نزلت بهم شدة ورأوا ما يكرهون قالوا حجراً محجوراً فهم يقولون ذلك إذا عاينوا الملائكة. قوله عز وجل: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل} يعني من أعمال البر التي عملوها في حال الكفر {فجعلناه هباء منثوراً} أي باطلاً لا ثواب له لأنهم لم يعملوه لله عز وجل ومنه الحديث الصحيح «كل عمل ليس عليه أمرنا، فهو رد» والهباء هو ما يرى في الكوة كالغبار، إذا وقعت الشمس فيها فلا يمس بالأيدي، ولا يرى في الظل والمنثور المفرق قال ابن عباس هو ما تسقيه الرياح، وتذريه من التراب كحطام الشجر وقيل هو ما يسطع من حوافر الدواب عند السير من الغبار.


قوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذٍ} أي يوم القيامة {خير مستقراً} أي من هؤلاء المشركين المستكبرين {وأحسن مقيلاً} أي موضع القائلة، وذلك أن أهل الجنة لا يمر بهم يوم القيامة إلا قدر من أول النهار إلى وقت القائلة حتى يسكنوا مساكنهم في الجنة قال ابن مسعود لا يتنصف النهار يوم القيامة حتى يقبل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار والقيلولة الاستراحة نصف النهار وإن لم يكن مع ذلك نوم لأن الله تعالى قال {وأحسن مقيلاً} والجنة لا نوم فيها قال ابن عباس الحساب في ذلك اليوم في أوله، ويروى أن يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتى يكون، كما بين العصر إلى غروب الشمس. قوله تعالى: {يوم تشقق السماء بالغمام} أي عن تشقق الغمام وهو غمام أبيض مثل الضبابة، ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم {ونزل الملائكة تنزيلاً} قال ابن عباس تشقق السماء الدنيا فينزل أهلها، وهم أكثر ممن في الأرض من الإنس والجن ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ثم كذلك حتى تتشق السماء السابعة وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي تليها ثم تنزل الكروبيون ثم حملة العرش {الملك يومئذٍ الحق للرحمن} أي الملك الذي هو الملك حقاً ملك الرحمن يوم القيامة، قال ابن عباس: يريد أن يوم القيامة لا ملك يقضي غيره {وكان يوماً على الكافرين عسيراً} أي شديد وفيه دليل على أنه لا يكون على المؤمنين عسيراً وجاء في الحديث «أنه يهون يوم القيامة على المؤمن حتى يكون عليه أخف من صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا».
قوله تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه} أراد بالظالم عقبة بن أبي معيط، وذلك أنه كان لا يقدم من سفر، إلا صنع طعاماً ودعا إليه أشراف قومه وكان يكثر مجالسة النبيّ صلى الله عليه وسلم «فقدم ذات يوم من سفر، فصنع طعاماً ودعا الناس إليه ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قرب الطعام، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بآكل طعامك حتى تشهد أن لا إله إلا الله، وإني رسول الله فقال عقبة: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فأكل رسول الله صلى الله علي وسلم من طعامه. وكان عقبة صديقاً لأبيّ بن خلف، فلما أخبر أبيّ بن خلف، قال له: يا عقبة صبأت، قال لا والله ما صبأت ولكن دخل علي رجل فأبى أن يأكل طعامي إلا أن أشهد له، فاستحييت أن يخرج من بيتي، ولم يطعم فشهدت له فطعم، فقال: ما أنا بالذي أرضى عنك أبداً إلا أن تأتيه فتبزق في وجهه، ففعل ذلك عقبة فقال عليه الصلاة والسلام، لا أراك خارجاً من مكة إلا علوت رأسك بالسيف، فقتل عقبة يوم بدر صبراً وأما أبيّ بن خلف فقتله النبيّ صلى الله عليه وسلم بيده يوم أُحد» وقيل لما بزق عقبة في وجه النبيّ صلى الله عليه وسلم عاد بزاقه في وجهه، فاحترق خداه فكان أثر ذلك في وجهه، حتى قتل وقيل كان عقبة بن أبي معيط خليل أمية بن خلف، فأسلم عقبة فقال له أمية: وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً فكفر وارتد، فأنزل الله فيه {ويوم يعض الظالم} يعني عقبة بن أبي معيط بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، على يديه، أي ندماً وأسفاً على ما فرط في جنب الله، وأوبق نفسه بالمعصية والكفر لطاعة خليله الذي صده عن سبيل ربه، قال عطاء: يأكل يديه حتى مرفقيه ثم ينبتان، ثم يأكلهما هكذا كلما نبتت يده أكلها على ما فعل، تحسراً وندامة {يقول يا ليتني اتخذت} أي في الدنيا {مع الرسول سبيلاً} أي ليتني اتبعت محمداً صلى الله عليه وسلم واتخذت معه طريقاً إلى الهداية {يا ويلتى} دعا على نفسه بالويل {ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً} قيل يعني أبي بن خلف {لقد أضلني عن الذكر} أي عن الإيمان والقرآن {بعد إذ جاءني} يعني الذكر مع الرسول صلّى الله عليه وسلّم {وكان الشيطان} وهو كل متمرد عات صد عن سبيل الله من الجن والإنس {للإنسان خذولاً} أي كثير الخذلان يتركه ويتبرأ منه عند نزول البلاء والعذاب به وحكم الآية عام في كل خليلين، ومتحابين اجتمعا على معصية الله.
(ق) عن أبي موسى الأشعري عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك أما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيباً ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة» عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل» أخرجه أبو داود والترمذي. ولهما عن أبي سعيد الخدري قال: قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم «لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي».


قوله عز وجل: {وقال الرسول} يعني ويقول الرسول في ذلك اليوم {يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً} أي متروكاً وأعرضوا عنه، ولم يؤمنوا به ولم يعملوا بما فيه وقيل جعلوه بمنزلة الهجر وهو السيئ من القول فزعموا أنه سحر وشعر، والمعنى أن محمداً صلّي الله عليه وسلّم، يشكو قومه إلى الله عز وجل يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً، فعزاه الله تعالى فقال {وكذلك جعلنا} أي وكما جعلت لك أعداء من مشركي مكة، وهم قومك كذلك جعلنا {لكل نبي عدواً من المجرمين} أي المشركين والمعنى لا يكبرن عليك ذلك فإن الأنبياء قبلك قد لقوا هذا من قومهم، فصبروا فاصبر أنت كما صبروا فإني ناصرك، وهاديك وهو قوله تعالى: {وكفى بربك هادياً ونصيراً} قوله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة} أي كما أنزلت التوراة على موسى والإنجيل على عيسى والزبور على داود صلوات الله عليهم أجمعين قال الله {كذلك} فعلنا ذلك {لنثبت به فؤادك} أي أنزلناه مفرقاً لنقوي به قلبك، فتعيه وتحفظه فإن الكتب المتقدمة نزلت على أنبياء، يكتبون ويقرؤون وأنزلنا القرآن على نبي أمي لا يكتب ولا يقرأ ولأن من القرآن الناسخ والمنسوخ، ومنه ما هو جواب لمن سأل عن أمور تحدث في أوقات مختلفة ففرقناه ليكون أوعى لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأيسر على العامل به {ورتلناه ترتيلاً}.
قال ابن عباس: وبيناه بياناً والترتيل التبيين في ترسل وتثبت وقيل فرقناه تفريقاً آية بعد آية: {ولا يأتونك} يعني يا محمد هؤلاء المشركون {بمثل} يعني يضربونه لك في إبطال أمرك {إلا جئناك بالحق} أي بما ترد به ما جاؤوا به من ما يوردون المثل، وتبطله فسمي ما يوردون من الشبه مثلاً، وسمي ما يدفع به الشبه حقاً {وأحسن تفسيراً} يعني أحسن بياناً وتفصيلاً ثم ذكر ما لهؤلاء المشركين فقال تعالى: {الذين} يعني هم الذين {يحشرون} أي يساقون ويجرون {على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكاناً} يعني منزلاً ومصيراً {وأضل سبيلاً} أي أخطأ طريقاً. قوله تعالى: {ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً} أي معيناً وظهيراً {فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا} يعني القبط {فدمرناهم} فيه إضمار أي فكذبوهما فدمرناهم {تدميراً} يعني أهلكناهم إهلاكاً {وقوم نوح لما كذبوا الرسل} يعني رسولهم ومن كذب رسولاً واحداً فقد كذب جميع الرسل فلذلك ذكره بلفظ الجمع {أغرقناهم وجعلناهم للناس أية} أي عبرة لمن بعدهم {وأعتدنا للظالمين} في الآخرة {عذاباً أليماً} يعني سيرى ما حل بهم من عاجل العذاب في الدنيا {وعاداً وثمود} أي أهكلنا عاداً وثمود {وأصحاب الرس} قال وهب بن منبه كان أهل بئر الرس نزولاً عليها، وكانوا أصحاب مواش يعبد ون الأصنام فبعث الله إليهم شعيباً يدعوهم إلى الإسلام فتمادوا في طغيانهم وآذوا شعيباً فبينما هم حول البئر في منازلهم، انهارت البئر وخسف بهم وبديارهم ورباعهم وقيل: الرس بئر بفلج اليمامة قتلوا نبيهم فأهلكهم الله.
وقال سعيد بن جبير: كان لهم نبي يقال له حنظلة بن صفوان فقتلوه فأهلكهم الله وقيل الرس بأنطاكية قتلوا فيها حبيباً النجار هم الذين ذكرهم الله في سورة يس وقيل هم أصحاب الأخدود والرس الأخدود {وقروناً بين ذلك كثيراً} أي وأهلكنا قروناً كثيراً بين عاد وثمود وأصحاب الرس {وكلاًّ ضربنا له الأمثال} أي الأشباه في إقامة الحجة عليهم فلم نهلكهم إلا بعد الإنذار {وكلاًّ تبرنا تتبيراً} أي أهلكناهم إهلاكاً قوله تعالى: {ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء} يعني الحجارة وهي قريات قوم لوط، وهي خمس قرى أهلك الله منها أربعاً ونجت واحدة. وهي أصغرها وكان أهلها لا يعملون العمل الخبيث {أفلم يكونوا يرونها} يعني إذا مروا بها في أسفارهم فيعتبروا ويتعظوا لأن مدائن قوم لوط كانت على طريقهم في ممرهم إلى الشام {بل كانوا لا يرجون نشوراً} يعني لا يخافون بعثاً.

1 | 2 | 3 | 4